توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات
19 يناير 2011 | كتبه سلوان
أول عظة قالها السيد للشعب، من بعد معموديته، كانت “توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات” (متى 17:4)، يدعوهم بها إلى التوبة، هي قصيرة ومهمة لأنها تشكل أمراً أساسياً في حياتنا الروحية، أي أن نتوب.
يقول إشعياء النبي “الشعب السالك في الظلمة قد أبصر نوراً عظيماً”، ولكن ما الارتباط بين التوبة والنور؟ طبعاً هناك علاقة، النور الحقيقي هو الذي يأتي من المسيح وبالتالي هو مرتبط بالتوبة، وقبل أن نتحدث عن الارتباط بينهما لنتحدث عن التوبة.
التوبة:
التوبة كما يعرّفها الآباء القديسون هي “تغيير الذهن أو العقل”، التوبة ليست أن تبكي أو تنوح أو أن ترثي أحد ما، بل هي أن تغير ذهنك وطريقة تفكيرك، إن كنت تفكر دوماً بالخطيئة أو كنت منغمساً بهوى من أهوائك، عليك أن توقف التفكير به أو عنه ولتبدأ التفكير بالأمور الصالحة، ويذلك تكون قد قمت بتغيير ذهنك عن التفكير بالشر للتفكير بالأعمال الصالحة، هذا هو المعنى الحقيقي للتوبة، إذا التوبة ليست حالة نفسية أو عصبية ليست أن تتوتر وتصرخ قد تبت، قد تبت، بل هي بناء الذات، أي أن تعود لذاتك وتبنيها بناء صالحاً، لا أن تبكي وتعول أو أن تعاتب نفسك، بل هي أن تغير ذهنك لتصلح حياتك، لتصلح ذاتك فتصبح إنساناً جديداً.
التوبة والرجاء:
يقول القديس يوحنا السلمي: “التوبة هي ابنة الرجاء وجحود لليأس” الإنسان التائب لا يقع في اليأس من خلاصه، أنت تتوب عن خطاياك وعندك رجاء أن المسيح هو مخلص، التوبة هي تغيير الذهن لإصلاح الذات منتظرين الخلاص الآتي من المسيح، هذا هو الإنسان التائب لأن التوبة ليست احتقار الذات هي عودة الذات إلى الله، لا أن تحتقر نفسك، لا أن تقول أنك أدنى الناس، هذا يساعدك على التواضع ولكن ليس بالتوبة، إن أنت أذللت نفسك أذللت المسيح الذي فيك، عليك أن تقول أنا ابن الله يجب أن أكون متواضع فأنا أخطأ الناس.
التائب هو الذي لا ينظر إلى الوراء بل إلى فوق إلى الله المحب البشر.
التوبة هي عودة إلى النور، هي عبور من الظلمة إلى النور، يقول ثيوفانس الحبيس: “إذا كانت الغرفة غارقة في الظلام، فإننا لا نستطيع أن نميز ما بها من قذارة، أما إذا أنيرت جيداً فحينئذ نستطيع أن نكشف حتى حبات التراب الصغيرة الموجودة بها وهذا هو حال النفس تماماً”، أي إذا كنتُ غارقاً في الظلمة سأحتاج إلى نور كي أفضح نفسي وأكشفها فأراها على حقيقتها، أرى أهواءها، أرى خطاياها. لكن عن أي نور نتكلم؟، عن نور المسيح، كلنا أخذنا هذا النور يوم المعمودية، لكن أمازال مشتعلاً فينا؟، أمازال ينير الظلمة التي دخلنا فيها بسبب خطايانا؟، كل إنسان معمّد لديه نور المسيح وخصوصاً الذي يشترك بجسد المسيح ودمه، أما الذي لا يشترك بهما لا يغذي هذا النور بل يدعه ينطفئ، الإنسان التائب هو الذي يهيئ نفسه لاتقاد النور في داخله.
أن تتوب مغيّراً ذهنك عن الخطيئة، مصلحاً ذاتك، موجهاً عقلك نحو السماء، نحو الله، هو هدف التوبة، عندها تكتشف أنك ابن لله، ابناً للنور، والمسيح يدعوك لتكون ابن للنور، لن يشتعل النور الحقيقي، الذي بداخلك من يوم المعمودية، بدون التوبة، فيمكن أن يكون هذا النور عند أي مسيحي خامد ولكنه سيكون متقد عند التائب فيقدسه. يقول إشعياء النبي: “فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لان عينيّ قد رأتا الملك رب الجنود” (إش5:6). نور الرب هو الذي يطهر.
التوبة والنور:
ما علاقة النور بالتوبة؟ كي نتوب يجب أن يدخل فينا النور، وما دمنا معتمدين فنحن نملك هذا النور. لكن ما نتائج التوبة؟ من نتائج التوبة أن يسكن فيك نور المسيح، وينضح منك هذا النور، هذه هي علاقة النور بالتوبة، هي علاقة متبادلة، أي إن تبت ستحصل على النور الحقيقي ومن جهة أخرى بدون النور لن تكشف خطاياك ولن تستطيع أن تتوب توبة حقيقية مغيّراً ذهنك ومصلحاً ذاتك مطهّراً إياها ناظراً لفوق إلى العلى إلى الملكوت السماوي.
الإنسان التائب هو الإنسان الذي يمتلك حياة جديدة ملؤها السلام ملؤها المحبة ملؤها التواضع وبالنهاية يكون الملء من روح الله، هذا هو هدف الإنسان المسيحي الحقيقي الذي يسعى لملكوت السموات.
لا تظنوا أن التوبة عمل مؤقت بل هي عمل مستمر حتى نهاية العمر، أي لا يمكننا القول أننا تبنا اليوم فقد خلصنا، طبعاً لا، ومن ناحية أخرى إن لم نكن تائبين العمر كله فلن نخلص، ولن نحصل على النور الحقيقي ولا على ملكوت السموات.
يا إخوة يدعونا المسيح أن نكون من أهل التوبة لأننا سنخلص بها “توبوا فقد اقترب ملكوت السموات” أي لا تنوحوا، لا تبكوا، بل غيّروا أنفسكم وطريقة تفكيركم وحياتكم، فإن كنت معتاد أن لا تصوم فقل أريد أن أصوم وعندها تكون قد غيّرت حياتك للأفضل، إن أنت اعتدت أن تكفر، فقل لا وللكفر غيّر ذهنك وتب عن الكفر، إن اعتدت أن تكذب، فقل لا، أنا أريد أن أغيّر حياتي، أي أن تغيّر حياتك من اتجاه إلى آخر حقيقي إلى التوبة عندها يسكنك المسيح ويفيض منك النور فتنال الخلاص.

الله معك أبونا،
شكراً لهذا الكلام الرائع، إنه يوقظ فينا الغيرة على أنفسنا من نفسنا. يذكّرنا أننا نحن مسيحيين وتكتمل مسيحيتنا بالتوبة.
أن نتوب علينا أن نعي أولاً اننا قد وقعنا في شباك الخطيئة، وأن نعلم أن هذه الخطيئة سبب هلاكنا،ثم نؤمن بهدف التغيير أو التوبة،نعترف عند الأب الروحي، وهكذا يكون النور الإلهي الموجود فينا قد تدخّل وكشف الغشاء عن أعين روحنا. وعندما يتم فعل التوبة، يعود ليتغذى ذلك النور من نتيجة التوبة في حياتنا.
المرحلة الصعبة أعتقد أبتي هي التي تالي مرحلة التوبة، حيث الحفاظ على روح الإندفاع للتغير قد تفتر بسبب حروب الشيطان و…
صلواتك أبتي
كلام رائع
شكرا لك
اشكركم على هذه الايات التى تيقظ القلب للتوبة وتقرب الانسان من الله
ارجو ان ترسلوا لى ايه كل يوم لاتعلم منها.
وشكرا لكم جزيلا …
شكرا لهذا الموضوع الجميل ولكن لدي سؤال هل يستطيع الانسان الحصول على مغفرة الخطايا باالتوبة الحقيقية فقط دون أن يعترف أمام الأب الروحي بتلك الخطايا صلواتك..
شكرا لكم
أكيد الخلاص يجب أن يبدأ بالتوبة ليكتمل بسر الإعتراف
صلواتكم
شكراً ابونا إنه حقاً لكلام رائع …من منا ليس بحاجة لشفاء من أمراضه الروحية؟؟يجب ان نتوب عن خطايانا وبدموع وانسحاق القلب لانعاود تكرارها ونعترف بها امام الأب الروحي لكي تغفر لنا …وانا كلي ثقة بربي وآلهي إنه سيغفر لي ويقبلبني تائبة ..أذكرني في صلواتك
شكرا ابونا على المقالة المفيدة. بالتوبة فقط سيخلص الانسان.؟